السبت، أغسطس 20، 2011

حول تدريس الحاسب الآلي في مصر

أدرك جيدا أن عامين فقط من التعامل مع نظام تدريس مقررات الحاسب الآلي في المدارس المصرية أثناء التربية الميدانية في الكلية ، لا يكفيان لتقييم الوضع الراهن وإصدار أحكام حول ما هو كائن وما يجب أن يكون ، إلا أنني هنا سأحاول أن أناقش بعضا من النقاط التي أرى أنه يجب النظر إليها بعين الاعتبار في سبيل تطوير منظومة تدريس مادة الحاسب الآلي في المدارس المصرية ، باعتبار أن مادة الحاسب الآلي تكتسب أهمية متزايدة باستمرار في العصر الذي  نعيشه، في ظل دولة عادت لتبحث عن النهضة بعد أن استفاقت من سبات عميق دام لعقود من الزمن.

أولا : هل نعد أبناءنا لسوق العمل أم نساهم في ترسيخ احتكار شركات معينة ؟
وبالتأكيد فحينما نتحدث عن الاحتكار - في الزمن الحاضر على الأقل - فإننا نقصد به أولا احتكار العملاق العالمي " Microsoft " . أغلب مقررات تدريس الحاسب الآلي في مصر تعتمد بشكل أساسي على تدريس منتجات ميكروسوفت سواء نظام التشغيل ويندوز ، أو طاقم البرمجيات المكتبية MS Office أو تصميم المواقع باستخدام Expression Web أو لغة البرمجة Visual Basic .net فهي كلها منتجات ميكروسوفت ، وسواء قصدنا ذلك أم لا فإننا بذلك نساهم في ترسيخ فكرة لدي الأجيال القادمة مفادها أن "الكمبيوتر هو ميكروسوفت وميكروسوفت هي الكمبيوتر". ورغم أن احتكار ميكروسوفت كان سابقا على وضع هذه المقررات وأصبح أمرا واقعا لا يمكن تجاهله ، إلا أننا يجب أن نسأل هل علينا أن نساهم في ترسيخ هذا الاحتكار أم أن نحاول مقاومته والتقليل منه ؟ كذلك فإنه ليس في جميع الحالات تكون منتجات ميكروسوفت هي الأفضل أو الأشهر. مما يجعلني مقتنعا بأن المسؤولين عن وضع مقررات الحاسب الآلي هم أنفسهم متأثرين بالفكرة المذكورة.
والسؤال الأخير هنا هو هل نحن مستعدون لتبني سياسة عامة للنهوض بصناعة البرمجيات في مصر تتضمن رعاية منتجات بديلة وطنية ودعمها في نظام التعليم المصري ، أم علينا أن نبقى تابعين لسوق البرمجيات العالمي ؟ وما مزايا كلا البديلين ؟

ثانيا : هل يمكن ذلك ؟
إذا قمنا بتدريس البرمجيات المفتوحة المصدر ، على سبيل المثال إذا أدخلنا نظام Linux في المقررات التعليمية بدلا من ويندوز أو إلى جانبه فهل سيكون أكثر صعوبة على تلاميذ المدارس ؟ أم أن تدريسه من البداية سيجعلهم قادرين على تعلمه والتعامل معه بسهولة ؟
عن نفسي أعتقد أنه يمكن تدريسه في المدارس خاصة مع التطورات الأخيرة في واجهات الاستخدام الرسومية ، وكذلك إذا استخدمنا توزيعات معدة لهذا الغرض بحيث تكون أقل تعقيدا. ولكن يبقى عامل مهم ، ألا وهو عامل الممارسة ، فتعلم التعامل مع الحاسب الآلي لا يكون فقط في المدارس وإنما يعتمد بشكل كبير ، بل بشكل أكبر على الممارسة المستمرة خارج المدرسة واليوم الدراسي ، وبالنسبة للصغار فإن اهتمامهم الأكبر يكون مركزا على الألعاب والترفيه ، ولا يمكن إنكار أن منصة ويندوز لازالت متفوقة وبمراحل في هذا المضمار.

ثالثا : ماذا نعلمهم ؟

بحكم حماسي الشديد - فيما مضى - كنت أرى أنه إذا كنا نريد تأسيس صناعة برمجيات مصرية فإن علينا أن ندرس البرمجة لتلاميذ المدارس في سن 10 - 12 سنة ، حتى نضمن الوصول إلى أجيال مؤهلة في المستقبل لتقوم عليهم هذه الصناعة ، ولكن عندما التقيت بأحد مدرسي الحاسب الآلي ، في المدرسة التي كنا نمارس فيها التربية الميدانية في الفرقة الرابعة ، استمعت منه لوجهة نظر مغايرة لما كنت أعتقده وأظنها جديرة بالنظر - رغم عدم اقتناعي التام بها - فهو يرى أنه لا يجب أن تدرس البرمجة لتلاميذ المدارس في التعليم الأساسي وأن تكون مادة اختيارية يختارها فقط من يريد أن يتعلمها : " لو عندي طالب ابوه عربجي وعارف انه هيطلع يشتغل مع ابوه عربجي ، هيهمه في ايه انه يدرس فيجوال بيزك ؟ " هكذا كان رأيه باختصار، فهناك مشكلة أساسية في تدريس الحاسب الآلي والبرمجة خصوصا ، وبالتحديد في الصف الأول الثانوي حيث لا تضاف المادة للمجموع وبالتالي لا يهتم بها الطلاب ، وربما ذلك لأنهم أيضا لا يريدون دراسة البرمجة حيث أنهم اختاروا لمستقبلهم تخصصات أخرى، وبالتالي تفتقد عملية التدريس عاملا هاما وهو رغبة الطالب في التعلم !.
ولكني أعود وأقول - خصوصا عن موضوع العربجي مع احترامي للعربجية -  أن التعليم الأساسي الهدف منه تقديم قدر أساسي ومشترك من التعليم لجميع أبناء الشعب مهما كانت أصولهم وطبقاتهم الاجتماعية، وإتاحة الفرص المتكافئة أمام الجميع كل حسب قدراته. رغم أن الحديث عن مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية سيخوض بنا في اتجاه آخر.
إذا فما الحل ؟ حقيقة لا أعلم.

رابعا : عن إعداد المعلم:
مدرسي الحاسب الآلي في مصر ينقسمون إلى تخصصات مختلفة ، منهم خريجي هندسة وخريجي حاسبات وخريجي كليتنا العزيزة التربية النوعية وخريجي معاهد ، وربما خريجي كليات أخرى حاصلين على مؤهل تربوي.
لماذا قد يشترط مدير مدرسة عند طلب مدرس حاسب آلي أن يكون خريج هندسة أو حاسبات وألا يكون خريج التربية النوعية ؟
نعم .. هذا يحدث أحيانا... فلماذا إذا ؟ ببساطة شديدة - وبدون زعل - لأن خريجي التربية النوعية غير مؤهلين . ونتحدث هنا عن التأهيل العلمي إذا افترضنا جدلا أن كليات التربية النوعية تؤهل خريجيها تربويا، مما يقودنا إلى نقطة جوهرية عن أهمية كليات التربية عموما ، هل نضحي بالتأهيل العلمي مقابل التأهيل التربوي أم العكس ؟ أم نوازن بين الإثنين ؟ وهل تتم هذه الموازنة بما يحقق صالح العملية التعليمية والنظام التعليمي ؟
ما الفائدة إذا كان لدينا مدرسين مؤهلين تربويا وغير قادرين على تقديم المعارف للطلاب ؟ نعم التربية قبل التعليم ولكن التربية بدون تعليم ؟!
ونعود لنسأل لم هم غير مؤهلين ؟
 طبقا لما درسناه في الكلية - من المواد النظرية البحتة - أنه إذا كانت مخرجات نظام ما دون المستوى المطلوب فعلينا أن نعيد النظر في كل من مدخلات النظام والعمليات التي تتم عليها ، وإذا نظرنا إلى هذين العنصرين فسنجد ما يلي طبقا لما عايشته في الكلية التي درست بها لأربع سنوات :
- نسبة ليست قليلة من أعضاء هيئة التدريس ( معيدين ومدرسين مساعدين ومدرسين وأساتذة) ليس لديهم ما يكفي من الخبرة الكافية لتدريس المواد المسئولين عن تدريسها.
- نسبة ليست قليلة من الطلاب يكون همهم الأكبر هو اجتياز الامتحانات ولا يهمهم أن يكتسبوا أي خبرة أو فائدة من المواد التي يدرسونها، وربما أحيانا لا يريدون بذل أي مجهود - حد طايل ياخد شهادة من غير تعب - رغم أن الكثيرين منهم لا يعجبهم الأمر ويسخرون أحيانا مما يحدث في الكلية . لكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
- نسبة ليست قليلة من المقررات التي يجري تدريسها من قبل أعضاء هيئة التدريس سالفي الذكر للطلاب سالفي الذكر تأخذ نقلا من مراجع علمية - باللغة العربية طبعا - نشرت أحيانا في عقد الثمانينات تحتوي على معلومات أكل عليها الزمان وشرب.
- بم أن المقررات تنقل من مراجع علمية " أثرية " أو من الإنترنت بواسطة غير متخصصين في المادة العلمية ، تكون النتيجة مقررات غير ممثلة للمحتوى العلمي الذي ينبغي أن يدرس في موضوع المادة ، وبالتالي لا تحقق الأهداف التعليمية المنشودة.
- ولما لهيئة التدريس والطلاب والمقررات سالفي الذكر من صفات سبق ذكرها فإن المقررات تدرس بأسلوب يعتمد على الحفظ والصم ونادرا ما يظهر فيها جانب الفهم ، وبالتالي فإن الاختبارات أيضا تأتي لتقيس هذا الجانب ويكون تقييم الطلاب على أساس مدى حفظهم للكتاب الغير ممثل لمحتوى المادة المفترض تدريسه ، من يصدق أن مادة البرمجة الشيئية الهيكلية التي تنص اللائحة على أنها مادة نظرية يدرس فيها مقرر عن لغة فيجوال بيسك 6.0 التي يوجد خلاف حول مدى تطبيقها لمفاهيم البرمجة الشيئية من الأساس.
- لائحة مقررات الكلية المليئة بالعيوب ، فهناك مواد تنص اللائحة على أنها مواد نظرية في حين أنها يجب أن تحتوي على جانب عملي إذا أردنا أن تكون لها قيمة ، كمثال : البرمجة الشيئية الهيكلية والذكاء الاصطناعي. ومواد أخرى سميت بأسماء منتجات برمجية بعينها : نظام النوافذ ، استخدام إكسيل ، لغة الباسكال .. فماذا لو أن أحد هذه المنتجات توقف تطويره أو حتى تغير اسمه لسبب ما !!!
إذا أعتقد أنني أعلم جيدا لما اشترط ذلك المدير شرطا كهذا ، وأعلم جيدا لماذا كتبت تلك المدرسة على السبورة لفصل في الصف الأول الإعدادي اسم ذاكرة الفلاش بالإنجليزية " Flasha " كما تنطق باللغة الدارجة فلاشة.

وبعد كل ذلك ؛ السؤال الآن هل سيتغير الأمر في المستقبل ونرى حلولا لتلك المشكلات ؟ أتمنى فعلا ذلك.