الجمعة، نوفمبر 04، 2011

العلم .... سلعة

بينما تدرس أختي دبلومة في الصيدلة لدى مركز تعليمي في القاهرة بنظام التعلم الإلكتروني عن بعد، أرسلوا إليها روابط تحميل للمحاضرات عبر البريد الإلكتروني كتبوا معها تحذير أن المحاضرة يجب أن تشاهد على نفس الجهاز وأن نقل المحاضرة إلى جهاز آخر قد يتسبب بإصابة الجهاز بفيروس مدمر !!!
طلبت منها أن تعيد توجيه الرسالة إلى بريدي إذ أن لي " خبرة " أكبر في التعامل مع الفيروسات  وتسريع التنزيل من مواقع رفع الملفات، ولأن ذلك التنبيه أثار فضولي حين قرأته ، وقمت بتنزيل الملف - وهو بصيغة وينرار- وذهلت عندما وجدت أن كل ما يحتويه الملف هو فيديو المحاضرة بصيغة wmv !!.
والتفسير الوحيد الذي أعتبره مقبولا لوضع تنبيه كهذا أن أصحاب المركز لم يرغبوا في أن يقوم أحد بنسخ المحاضرات أو نقلها حتى لا يستخدمها أحد في "التعلم الذاتي" فإذا أراد فسيكون عليه أن يدفع "مبلغا وقدره" للحصول على الدورة التدريبية.
ذكرني ذلك بأمرين طالما عايشت تجاربهما، الأول أن البعض قد يستغلون درايتهم ببعض المهارات التقنية وغياب وعي الآخرين بها في تحقيق مصالح شخصية أحيانا ما تكون منفعة مادية وأحيانا أخرى تكون لإرضاء غرورهم ونفوسهم المريضة فقط .
أذكر رسالة تلقيتها على Facebook مرة من أكثر من صديق لي تقول أن حسابي في فيس بوك سيمسح وأن شركة الفيس بوك تجري مسحا للحسابات لإزالة الحسابات غير النشطة وأن على أن أرسل الرسالة لعشرة من أصدقائي لأثبت أن حسابي فعال.
تثبت هذه الرسالة أيضا شيئين الأول هو مدى ارتباط الناس بالفيس بوك وعدم استعدادهم للتخلي عنه وكذلك مدى غياب الوعي التقني لدي الناس.
بالطبع لم أرسل الرسالة لأحد (ولازال حسابي يعمل للآن) لأنه من غير المنطقي أن تفكر شركة الفيسبوك بهذه الطريقة الحمقاء لتخسر مستخدمي موقعهم بهذه البساطة وعمدا مع سبق الإصرار، ولأنه إذا أرادوا التأكد من الحسابات النشطة لوجدوا مليون طريقة أكثر بساطة وعقلانية. لكن كان السبب الأكثر إقناعا ولا يحتمل المناقشة أن الرسالة كانت مصحوبة بترجمة إنجليزية تترجم "حسابك في فيسبوك سيمسح..." بـ "Your facebook scan..." !.
تذكرت أيضا رسالة انتشرت على صفحات الفيسبوك تقول " أنا اتشحن لي بـ 100 جنيه ببلاش..." وتطلب من الناس دخول موقع يطلب منهم القيام بمجموعة من الخطوات تتطلب الضغط على عدة أزرار "Like" ثم وضع رقم الهاتف مهما كانت شبكة المحمول التابع لها ليتم الشحن مجانا.
ما يثير الاستغراب أن الموقع عبارة عن مدونة مجانية على Blogspot - كما هذه المدونة - وما يثير الدهشة حينما فتحت مصدر صفحة الموقع من المتصفح ووصلت لعناوين صفحات الفيسبوك المرتبطة بأزرار Like؛ كانت أولى الصفحات صفحة شخصية -لصاحب المدونة على ما يبدو- وصل عدد معجبيها الآلاف يتصدرها صورة لصاحب الصفحة وهو مسترخ على شاطئ البحر! باقي الصفحات كانت بين صفحة لمعجبي أحد المطربين وصفحة لنادي ... بدمنهور، والغريب في الأمر أني تابعت الصفحة على مدار يومين بعدها وكان عدد المعجبين يتضاعف في حين لا يشارك بها أحد غير منشئ الصفحة.
مرة أخرى تكرر "الاستهبال" عندما انتشرت رسالة تقول أن الفيسبوك سيتحول إلى حسابات مدفوعة الأجر وإذا أردت الحصول على حساب مجاني مدى الحياة ادخل إلى ....... .

الأمر الثاني الذي أريد الحديث عنه هو ما أعتبره أحد أسباب تخلفنا (كعرب) وهو أن هناك الكثيرون منا يعتبرون أن ما وصلوا إليه من علم ومعرفة وخبرة هو كنز ثمين يجب ألا يفرطوا فيه أو يعطوا منه لأحد حتى لا ينقص وحتى لا يحصل عليه الآخرون دون أن يلاقوا ما لاقوه هم من تعب ومشقة وما استغرقوه من زمن. فالآخر منافس لي يجب أن أحتفظ بتفوقي عليه ولا يجب أن أعطيه علمي إلا إذا دفع المقابل. ولهذا السبب -في رأيي- قبل غيره أصبح العلم سلعة غالية الثمن وأحيانا نادرة في بلادنا.
قد لا يظهر ذلك واضحا مع وجود آخرين لا يترددون في مساعدة الآخرين والرد على تساؤلاتهم وأحيانا تقديم كتب ودروس مرئية مجانية، وتجدهم في مواقعهم ومدوناتهم والمنتديات التقنية. لكن ذلك على الإنترنت وغالبا ما يكون بمجهودات فردية فقط أما في الواقع فالأمر يختلف.
إذا بحثت على الإنترنت عن محاضرات فيديو أكاديمية في أي موضوع علمي فهناك احتمال كبير أن تجد ما تريده منشورا بشكل مجاني من مواقع التعلم الإلكتروني للجامعات الأمريكية والأوروبية بل وأيضا هندية وإذا بحثت بلغات أخرى غير الإنجليزية ربما تجدها أيضا.
ولكن لن تجد الكثير من مواقع الجامعات العربية حتى التي تقدم خدمة التعلم الإلكتروني ومقررات إلكترونية أو بوابة على الإنترنت وأغلب جامعاتنا كذلك؛ لن تحصل منها على أي شيء إلا إذا كنت طالبا في الجامعة لك حساب على موقعها وصلاحية دخول له مع وجود استثناءات قليلة.
ربما يتعلق الأمر بجودة النظام التعليمي؟ أو ربما يتعلق بالإمكانيات التقنية المتاحة لدى هذه الجامعات ؟ أو يتعلق بالمنفعة المادية ؟ أم أنها ثقافة عامة تحتاج لتغيير؟.

قد يعتبر البعض أن هذه التدوينة تتحدث عن أمرين مختلفين تماما، لكن كلا النقطتين تصبان في مجرى واحد وهو ما أردت فعلا هنا الحديث عنه.