الجمعة، أبريل 16، 2010

حالنا مع العلم

ذكرت من قبل بضع أبيات قالها الشافعي رحمه الله قال فيها :

تعلم فليس المرء يولد عالما وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت إليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالما كبير إذا ردت إليه المحافل
ولا ترض من عيش بدون ولا يكن نصيبك إرث قدمته الأوائل

كانت تلك أبيات قالها الشافعي رحمه الله منذ قرون ، يؤيدها قوله تعالى " اقرأ باسم ربك الذي خلق  خلق الإنسان من علق  اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم " وغيرها من آيات القرآن الكثير ، وإن شئت فلتبحث في كتب الأحاديث النبوية وستجد منها الكثير من الأقوال التي تحث على العلم وطلبه والمجاهدة في سبيله ، وأنه فرض على كل مسلم....ولكن !
إذا نظرت اليوم في هذه الأمة التي ورثت تراث الشافعي وتقرأ كتاب الله في صلاتها ، وتؤمن بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فستجد فيها أناس إذا نظرت لحالهم ضربت كفا بكف ، ثم قلت لا عجب أنها أمة تتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.
ستجد فيها رجالا في ريعان شبابهم لا يهمهم شيء من هذا العالم سوى الحصول على شهادة يستطيعون بها الحصول على عمل يؤهلهم للوصول إلى مركز مرموق أو لقب ينادي به الناس عليهم، وربما قد لا يصل طموحهم إلى ذلك من الأساس، لا يهمهم أن يتعلموا من دراستهم (الجامعية) شيئا بل يهمهم أن ينظروا في نهاية الفصل الدراسي ليجدوا أن نتيجتهم ( م | م | م ...) بغض النظر إن كانوا فعلا كذلك أم لا، وبغض النظر عن الطريقة التي وصلوا بها إلى تلك النتيجة سواء بالغش في الامتحان أو بـ" البراشيم " أو بالمحسوبية.
حالنا (نحن العرب) مع العلم  عدة أصناف، صنف لديه طموح كبير يريد أن يصل به إلى أعلى مستوى من العلم والدرجات العلمية وهذا الصنف نوعان ، نوع يريد أن يتعلم العلم حق تعلمه، ونوع آخر يريد أن يصل إلى لقب العلماء ولو كان يدرك أنه ليس منهم، يريد الحصول على أعلى التقديرات حتى وإن كان ذلك مبني على الحفظ وحده وليس شيئا آخر. وهذا النوع الأخير وإن كنت أرفضه لأنه يرى أن الغاية في اللقب وفي الدرجة وليس في العلم ، إلا أنه أفضل حالا من أصناف أخرى من البشر، فهناك صنف آخر يعيشون حياتهم غير مكترثين لما يجب عليهم أن يكونوا ، غير مبالين بمسؤوليتهم تجاه أمتهم ومجتمعاتهم، يقنعون بقليل العلم مادام يرون فيه راحتهم، وهذا الصنف أيضا نوعان، نوع يقدر العلم ويطمح إليه لكنه لا يمتلك الرغبة الكافية ليصل إلى ما يطمح إليه ، يتعلل بفساد النظام التعليمي ، أو بأنه لم تتسنى له الفرصة للحصول على القدر الكافي منه، فيبرر بذلك احتياله وتحايله بالغش و"الفبركة" ليصل إلى ما يريد، وأما النوع الثاني ، وهو أمقتهم عندي فهو يرى في نفسه أفضل حالا من غيره من الناس ، يدعي أنه خير منهم لمجرد أنه لم يجد من بينهم شخصا عالما بكل شيء، يرى في الصنف الأول أنهم متملقون مدعون للعلم، وحين يرى منهم طامحا طالبا للعلم يصفه بأنه مغرور محب للظهور، يرون في أنفسهم أنهم أرفع وأرقى من أن يفعلوا فعل هؤلاء المحبين للظهور، يبررون جبنهم وتخلفهم بذلك الحقد والادعاء. يعيشون حياتهم بين الـ Games والأغاني والأفلام الـ... ، والسجائر والـ دماغ العالية.
وهناك صنف آخر ليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء يرون أن علينا أن نتعلم القرآن والفقه والشريعة ، وأن ذلك يكفينا ويصلحنا،  وأنا لا أعترض فـ "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" ، ولكن أن نكتفي بعلوم الفقه والدين وندعي أن ذلك يكفينا ، فذلك ليس من الدين في شيء، لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته رضي الله عنهم بأن يتعلموا العلم ، واللغات الأجنبية (العبرية والفارسية وغيرها) ليكون من بين المسلمين من يكفيهم بعد الله بهذه العلوم، أما أن نكتفي بتعلم الفقه والدين ، فهذا هو الخطأ بعينه.
أنا لا أدعي أنني عالم ، أو لي دراية بكل شيء لأستطيع أن أحكم على الناس وأقيمهم، وإنما أكتب ما أرى وأؤمن به. أعلم قدر نفسي (رحم الله امرئ عرف قدر نفسه) ، أعرف ماذا أعلم وماذا أجهل ، وأحاول - وإن كنت لا أبذل الجهد الكافي - أن أصل لما أريده، ولكنني على الأقل ... أحاول.
فإننا أمة قد خسرت الكثير ومن ينظر إلى حالنا اليوم بين الأمم سيدرك تمام الإدراك أن هناك شيء ما خطأ، وإن ادعى أحد غير ذلك فهو حقا..يخدع نفسه قبل أن يخدع أحدا غيره.
كفانا مبررات ، كفانا تعللا بفساد التعليم أو بالمحسوبية أو ....، كفانا غش و " فبركة " و " تكبير دماغ " ، الغش و " الفبركة" ليست " فهلوة " ولا شطارة ، ليست شطارة أن تحصل على درجة علمية وأنت لا تستحقها ، وإن كنت تدعي أن ذلك لا يضر أحدا ، وإن كنت ترى أنه " حرام " أن تخسر درجة في الامتحان لمجرد أنك لم تذاكر جيدا ، وأنه من الغباء أن تترك الفرصة السانحة أمامك لتحسن من نتيجتك ليراك الآخرون على حال أفضل ويرمقوك بنظرات التقدير وليقال عنك في النهاية " كان تقديره امتياز " ، فعليك أن تعلم أن ما تفعله سيضر غيرك بالفعل ، لا يجب على أي منا أن ينظر إلى ما يفعله على أنه لن يؤثر إلا عليه ، ولكن قبل أن يفعل كل منا فعلا فعليه أن ينظر ليرى البعد المجتمعي لما يفعله ، وكيف سيؤثر على المجتمع الذي يعيش فيه، وأن يسأل نفسه " هل أكون بهذا معتديا على حق غيري؟ وهل ما أفعله يهدم أم يبني ؟" ، الغش والفبركة لا يعني شيئا سوى أن يحصل من لا يستحق على ما لا يستحق، وتجد هناك من يدعون أنهم بذلك يحاولون الحصول على حقهم في مجتمع كله غش و" فبركة " ، لكنهم بذلك يقدمون النتيجة على السبب، ويتجاهلون قول سيد الخلق (فيما معناه)  "لا يكن أحدكم إمعة إن أحسن الناس أحسن وإن أساؤوا أساء، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تتجنبوا إساءتهم" .
لن أقول أن الغش حرام شرعا - وهو فعلا كذلك - ولكن لماذا هو كذلك ؟ حينما يكون الغش و" الفبركة " هما ديدننا في مجتمعاتنا ، فسنكون مجتمعا من الغشاشين ، لا يحصل فيه من يستحق على ما يستحق، ويؤتمن على الأمانة من ليس أهلا لها، ومجتمع كذلك وزنه في ميزان الأمم والشعوب ليس أكثر من "صفر على الشمال".
ولننظر (نحن العرب) إلى " أبناء عمومتنا " كيف أنهم يسعون للعلم ويقدرونه ويسبقوننا به، لأننا إن بقينا كذلك فسيأتي علينا يوم نقول فيه " اطلبوا العلم ولو في Israil ".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق